كرة القدم كانت الأكسجين الذي يتنفسه غلام كانت نومه ويقظته حلمه وحقيقته، لذلك حين تركها ترك معها جزءا من روحه، ليبدأ مرحلة من اهمال الذات وعدم المبالاة للحد الذي غفل فيه عن صحته ولم يلحظ أن ثمة أمر غير طبيعي يحدث داخل جسده حتى تمكن منه المرض وبدأ ينهش فيه.
ربما لا يعرف سوى المقربين جداً من غلام متى بدأت رحلة معاناته مع المرض بالتحديد، ولكن الأكيد أن الجميع عرف في وقت مبكر أن غلام مريض، عندما سقط في المرة الأولى طريحاً للفراش لم يأبه به أحد وظل المسؤولون عن الرياضة في السلطنة في شغل شاغل عنه، ورغم استجداءاته للمسؤولين في وزارة الشؤون الرياضية من أجل مد يد العون إليه ومساعدته للخروج من محنته ظلت آذان الجميع صماء تجاهها فحاول عبر بعض وسائل الإعلام ولكن ظل الصمت محدقا، وفقد أحد أصابع قدمه التي طالما أمتعتنا بأدائها داخل الملعب.
تفاقم المعاناة
بعد أن تم بتر إصبع قدمه في مستشفى خوله خرج غلام من جديد ليمارس حياته من جديد ومرة أخرى، يعاوده المرض ويسقط من جديد طريحا في إحدى أسرة المستشفى السلطاني، ومن جديد يعود لاستجداء الفتات من المسؤولين من أجل علاجه ولكن يظل الحال كما هو عليه رغم الضغط الشعبي والإعلامي من أجل الالتفات لرمز عمان الكروي الكبير، وبينما الجميع كان يتوقع تدخل وزارة الشؤون الرياضية أو الاتحاد أو أية جهة حكومية أخرى في البلد لمد يد العون له، يبادر بنك مسقط بالتكفل بمصاريف سفر وعلاج غلام في مملكة تايلاند في سابقة تحسب لهذه المؤسسة. ويتوجه بيله عمان إلى بانكوك للإستشفاء من مرضي السكر والضغط ويعود من هناك أحسن حالاً من السابق ويستمر بصحة جيدة فترة من الزمن، رسم خلالها الكثير من الأحلام، كأن يحظى مثلاً بمباراة اعتزال أو حفل تكريم جماهيري يليق بما قدمه لهذا البلد والكثير من الأمور التي حظي بها من هم أقل منه نجومية في بلاد مجاورة ولكن الموت أراحه من أحلام يقظته الساذجة.
الرحيل
قبل أسبوعين تقريباً عاود المرض غلام أكثر ضراوة وفتكاً ليس السكري والضغط ما كان يعاني منه بيليه عمان هذه المرة فقط، فقد كان هناك الفشل الكلوي ومعاناة الغسيل الدوري للكلى. البحث عن متبرع عز على غلام وزوجته التي أرادت التبرع بإحدى كليتيها له رفض الاطباء منها ذلك بسبب مرضها، ومع تفاقم حالته كانت تحركات وزارة الشؤون الرياضية التي تكفلت أخيراً بعلاجه في تايلاند أشبه بتحركات سلحفاة تصعد منحدراً وعراً، فتارة يبلغونه بأنهم سيتكفلون بمصاريف علاجه وأخرى يقولون سنخاطب الديوان في ذلك، وما بين هذا وذاك كانت حالة نجمنا الصحية في انحدار، خصوصاً مع الجو الذي كان يحيط به، إذ ظل حبيس أحد أسرة الغرف العامة المزدحمة بالمرضى لأكثر من أسبوع تقريباً ولم ينقل إلى غرفة خاصة إلا بعد أن بلغ به الإعياء ما بلغه، وطوال هذا الوقت والوزارة ما زالت تبحث أمر مصاريف علاجه، حتى جاء الفرج أخيراً وتقرر مغادرته إلى تايلاند.
حجزت ثلاثة مقاعد في الدرجة السياحية أحدها لغلام والآخرين لزوجته وشقيقها اللذان رحلا برفقته للاعتناء به أثناء الرحلة وأثناء علاجه الذي يتضمن زرع كلية وأيضاً -حسب بعض المصادر- بتر قدمه، ومرة بعد أخرى تثبت مؤسساتنا الحكومية فشلها وتتعامل مع هذا الرمز بإهمال لا يعقل أثبتته في النهاية النتائج. غلام ذهب دون شخص مؤهل طبياً يعتني به أثناء الرحلة، وحجز له في المقاعد السياحية، بعد أن استكثر عليه أحد مقاعد درجة رجال الأعمال التي تتوافر فيها عناية أكبر ووسائل راحة أكثر مقارنة مع مثيلاتها في السياحية، مما جعل الرحلة غاية في الصعوبة لغلام لأهله الذين شهدوا آخر أنفاسه وهي تخرج نفساً تلو الآخر كاتبةً قصة النهاية لأسطورة ستظل ماثلة في قلوب جميع العمانيين إلى الأبد قبل أن تحط الطائرة إلى مطار بانكوك الدولي صباح أمس.